فقيد الباحة الشيخ / أسامة غرم آل سابي الغامدي .
ماذا عسى نكتب .. والقلب محزون .. والقلم لا يطاوعني .. والعبارات شاردة .. والفؤاد مكروب محزون .. والفاجعة كبرى ..
ففي يوم الخميس الموافق 6/12/1429هـ فُجعت الباحة بوفاة رجل من رجالها صدقوا ما عاهدوا الله عليه، رجل في الميدان آمر بالمعروف ناهياً عن المنكر مدافعاً عن حياض الدين . إنه فقيدنا وحبيب قلوبنا الشيخ / أسامة غرم آل سابي..
أتحدث إليكم عن سيرته العطرة؛ حيث كان أخاً وصديقاً منذ خمسة عشرة سنة، ووجدت فيه روح التفاني والإخلاص لهذا الدين ،كان رحمه الله حريص على طلب العلم ويحب العلماء ويجلهم، وكان يمتاز بالاستشارة لهم ولا يًقدم على شيء حتى يشاور ويستخير الله في كل أعماله ، لأن قلبه معلق بالله وعنده يقين بما عند الله من خير .
وهذا بعض من سيرته :
1 – كان محباً لطلب العلم وللعلماء وكان مهتماً بتفسير القرآن الكريم وتدبره، ويعيش مع آيات القرآن تدبراً وفهماً ،،بحثاً وإعجاباً به حتى تشعر أن السعادة تغمر قلبه إذا بحث في آية من كتاب الله .
2 – أما عن جهوده الدعوية فحدث ولا حرج، فكان يقيم الدورات لتغسيل الأموات في المدن والقرى على مستوى المملكة ،وألف في ذلك كتاباً رائعاً استشار فيه كثير من العلماء وطلبة العلم واستغرق في تأليفه خمس سنوات وأسماه (كيف تغسل ميتاً؟) . قدم له العلامة الشيخ ابن جبرين وغيره من المشائخ، وكان مؤسساً لكثير من مغاسل الموتى على مستوى المنطقة ويسعى في تجهيزها من أهل الخير .
3 – كان خطيباً مفوهاً صادق العبارة قولاً وفعلا . كان في كل جمعة يتنقل بين المساجد احتساباً لله سنوات طويلة، وكان يرفض أن يكون إماماً رسمياً؛ حتى لا يأخذ على ذلك أجر مادي .
4 – ومن جهوده الدعوية المواعظ في المساجد والمدارس والدوائر الحكومية فقد كان رحمه الله واعظاً مؤثراً في الناس يوصل الموعظة إلى قلوب الناس وتلاقي كل قبول، كلامه درر .. يذهب إلى البادية وإلى مناطق صعبة في تهامة وغيرها وإذا دُعي لا يمكن أن تسمع منه إلا كلمة "أبشر" ولا يعرف الاعتذار في الدعوة بل يبذل المال والجهد والجاه في مساعدة الناس .
5 – كان رحمه الله يسعى في خدمة العلماء والمشائخ الذين يزورون الباحة في الصيف، ويستضيفهم في بيته ويكرمهم ويبذل وسعه في خدمتهم والاستفادة من علمهم ومشورتهم.
6 – اهتم في السنوات الأخيرة بعلم التفسير وكان يسافر في جميع المناطق للبحث عن الكتب المتخصصة في التفسير، وكان يعزم الذهاب إلى مصر لحبه لكتب التفسير، وتعرف على كثير من المشائخ المتخصصين في علم التفسير ويسافر إليهم، ومنهم الدكتور / محمد عبد العزيز الخضيري، والدكتور / مساعد بن سليمان الطيار ، والدكتور / خالد السبت ، وكان رحمه الله معجباً كثيراً بالباحث الشيخ الدكتور / مساعد الطيار وبمؤلفاته .
7 – لقد بلغ الشيخ أسامة – رحمه الله وبيض الله وجهه ورفع درجته – من الصدق مبلغاً عظيماً.. وغاية سامية.. ومنزلة رفيعة.. فتجد جميع الناس يثقون به ويتقبلون نصحه؛ حتى من يقبض عليهم في قضايا الهيئة لأنهم يعلمون أنه صادق القلب رحيم بهم ومشفق عليهم، وكان يتواصل مع من زلت به القدم ،ويتعاهدهم ،ويخدمهم بالمال والشفاعة حتى أنه يسافر مع بعضهم لأداء العمرة والنصح لهم وكثير منهم استقاموا على يده .
8 – أما عن وفاته رحمه الله فقد حدثني هو شخصياً قبل شهر، أنه رأى رؤيا ويقول أنها تدل على دنو أجله واتصل وأنا معه بأخيه يوصيه ويتسامح منه، ويوصيه بصلة الرحم والتسامح والتآخي وأن الدنيا لا تساوي عند الله شيء، ويقول له أشعر بأن أجلي قد اقترب وما إن مضى أقل من شهر حتى أتته المنية غريقاً في البحر، وكانت من علامات حسن خاتمته أنه غريق ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (خمسة من الشهداء وذكر منهم الغريق شهيد )
وكان يسأل الله كثيراً الشهادة،
نسأل الله أن يبلغه منازل الشهداء، وأن يحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .. نسأله كما جمعنا به في دنيا فانية أن يجمعنا به في جنة باقية وأن يجبر مصابنا ومصاب كل من يعرفه ويجعله شافعاً لوالديه يوم الدين وأن يبارك في أولاده وينبتهم نباتاً حسناً ويجعلهم من الصالحين .
ووالله لو كتبنا في ذلك كتاباً عن حياة الشيخ أسامة ما وفينا بشيء مما نعرفه عنه من الخير والصلاح وحب نفع عباد الله ولكن هذا غيض من فيض ومن باب الوفاء بشيء من حسناته على أهل المنطقة وعلينا .
وأسأل كل من يقرأ هذه العبارات أن يدعوا له كثيراً ويقول صلى الله عليه وسلم (إن عظم الجزاء من عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فعليه السخط ) رواه الترمذي .. اللهم إنا نرضى بحكمك وقضائك وإن لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى .
اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً واجمعنا به في جنات الفردوس على سرر متقابلين آمين يا رب العالمين . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه / صالح جربوع
السبت /8/12/1429هـ